Monday, October 29, 2007

دارت فينا الدار - قصة قصيرة

في المساء وعندما تشرق الشمس في الجهة الثانية من الكرة الأرضية . أركض حافياً تحت شجرة المشمش في البيت القديم . صوت حفيف الأوراق . المعلقة على شجرتي التين و الخوخ و صفير الهواء في نهاية خريفي الثالث أو الرابع . صرير الباب الخشبي المتسارع قبل ارتطامه بالحائط المجرد من الطلاء الأبيض . صوت آلهة الحب . والدتي . تنادي . جزء من صوتها حملته رياح الخريف الى زويا و ساحات الدار و جزء أخر حملته الذاكرة ولا يزال يحوم في مخيلتي كجناحي ملاك أبيض . أغني بكلام غير مفهوم و أدور . حول شجرة التين ألف و أدور . . أتعثر . ابعثر بقايا دراجة أخي الكبير . انتظر مكرمة الهواء في اسقاط آخر حبة توت .

يكفي دوران سوف تدوخ ، يأتي صوتها الملائكي من الغرفة الدافئة الصغيرة . كعصفور مبتل منتوف الريش ادخل تحت جناحيها الهو بخيط يتدلى من طرف ثوبها. تتراقص في حدقتي السنة لهب المدفأة السوداء . تهدهد لي بأغنية الشتاء . أغفو أغمض عيني مستنداً الى جدار الجنة . أصحو بعد ثلاثين عاماً افتح عيني كمحكو عليه بالاعدام . لا دار و لا دوار ، لا تين لا خوخ لا ريح و لا من يحزن مع بقية من يحزنون . لا حجر و لا شجر ولا خريف ولا مدفأة .
منبه يكسر جدار الصوت و تلفاز و دش و كمبيوتر و موبايل . و أشياء ما أنزل الله بها من سلاطين تستصرخني للنهوض . تعبس في وجهي الكئيب تستحثني الإسراع . و تلفظني نحو الشارع المزدحم بالضوضاء و السيارات و إشارات المرور .

يومه كأمسه كغده . أي دوامة تلك التي يدور فيها . كحبة في مسبحة بيد فاسق فاجر . يعبث بها دون دعاء . لليمين حيناً و لليسار أحياناً . تدور بأصابعه بكل الاتجاهات و حسب كل الاحتمالات . مرة اخرى يبدأ هذا المنبه بالنباح معلناً بداية يوم جديد .

يكنس التائه عادةً بقايا أحلام ليله في كل صباح . ويصحو بدافع الغريزة و حب البقاء . بعد حفلة الماء و الصابون و الفرشاة و المعجون . يتدلى في بنطاله و قميصه ويمتطي بكل فخر صهوة الحذاء . معلناً عن ميلاد يومه الجديد . دقائق ويتعين عليه القاء تحية الصباح . و إبداء طقوس الطاعة و الولاء لذلك الأبله الأجوف الأحمق الأخرق التافه التالف المحسوب على معية بني آدم و حواء .

ولي النعم هو ومن غير بركته و رضاه . يصبح التائه في خبر كان . إن ابتسم تزغرد عصافير الصومال . و إن عبس زمجرت الأعاصير في جزر المالديف . شائت الأقدار و حظ التائه التعيس . و إختلاف درجات الحرارة ما بين الصومال و جزر المالديف . وامتلاك ولي النعم القفل و المفتاح والباب و الحائط والأرض المستند عليها الحائط . شائت أن يُساق التائه كسوق النعاج من مكتبه المنسي في الطابق المنسي في الزاوية المنسية في الزمن المنسي . الى قلب المعمعة وبؤرة الحدث كالذبابة تحت بقعة ضوء . على خط النار بدون خندق أو ساتر لا ترابي و لا هوائ . سكرتيره الخاص أراد وبكلمة واحدة كان كل شيئ قد حصل فالله ماشاء قدر و البدين ما شاء فعل .

في ليلة ليلاء التهم الرجل البدين عشائه و تحلى و تسلى , تدشى و اتكأ الى الوراء وفكر ثم فكر . قتل كيف فكر . أنا رجل مهم مدير أنا من الميم الى الراء ، كرش ماشاء الله كبير ، مال لا تأكله الفئران و لا تحرقه النيران ، جاه خدم حشم . (ونسي طبعاً النسوان ) و ما علاقته هو بالنسوان . يأمر فيطاع ، يضحك فيضحكون ، يعبس فيبكون . بالسبابة و الابهام فرك شنبه المتدلي كأنشوطة حذاء و قال . هو التائه ولا أحد غيره . احضروه و على بابي أجلسوه . و بوظيفة الخادم المخلص الأمين عينوه . على الكرسي خوزقوه . نشيد الأنشاشيد لسليمان الحكيم لقنوه و على مسامعي كل صباح يغنيه لي إجعلوه . صامتاً ساكناً جامداً . كتمثال صدام الهدام أنحتوه . و عطروه و مشطوه و على وجه السرعة هاتوه .

فتح باب المصعد وخرجت منه انثى مبتسمة دخل التائه المصعد حدد بوضوح طابقة الجديد . أخذ نفساً عميقاً استنشق به ما بقي من زفير تلك التي خرجت ، نظر في مرآة المصعد لا شيئ رفع حاجبيه حدق جيداً اقترب أكثر لامس أنفه المرأة يا إلهي لاشيئ . استجمعت المرآة زفيره مشكلة سطحاً يصلح للكتابة . لترك أثر . خط بإصبعه دائرة و بها ثلاث نقط . واحدة لفمه و إثنتان لعينه . أعاد حاجبيه الى ما كانا عليه و بدا وحيداً باحثاً عن نفسه بالمصعد وما من شيئ . أراد أن يسأل نفسه عن نفسه هل هو موجود . اقترب مرة أخرة من المرأة ، لامس انفه السطح الزجاجي البارد . قبل المرآة . شعر بوجوده تراجع للخلف ، الحمد لله ، تمتم و هو يخرج من المصعد . الحمد لله الحمد لله .

عشر خطوات الى الأمام خطوتان الى اليسار . وأخرى الى اليمن التقط من سلة المهملات ابتسامة أحد المراجعين الخارجين للتو ، لصقها على وجهه . دق باب الرجل السمين . فتح الباب تقيئ كلمة صباح الخير يا مولانا أطال الله في عمرك يا صاحب السعادة و الهناء . . أغلق الباب و انسحب منساباً ككائن هلامي بلا ابعاد . كوم نفسه على الكرسي الجديد وراء المكتب الجديد في الغرفة الجديدة في المنصب الجديد .

ايعقل أن أكون كالجارية في سوق نخاسة على زمن أبو نواس . اهذه نهاية تليق بتائه في رحلة توهان . لا لا بد من إعادة كتابة السيناريو حتى لو اقتضى الأمر الى قلب الطاولة على رؤوس كل الصلعان . و من ضمنهم هذا الأخرق الأبله المالك الجديد . فلنبدأ من جديد . أيعقل أن يكون ذلك . الجواب بكل بساطة . نعم يعقل أن تكون كذلك . و لم لا . بل لم ليس لا . أحال التائهة بدوره السئوال الى ظله المتراقص على صفحة الماء تحت ما تبقى من قرص الشمس الظاهر له في لحظة المغيب على كورنيش المدينة التعيسة . أجابه الظل . بحقيقة . و الحقيقة بخيال . أعاده الخيال مرة ثانية الى الظل و الخيال . عاد الى النقطة الى إبتدا منها قبل ثوان طرح مرة أخرى السئوال . كيف الخلاص . من هذا اللجام الجديد . الموضوع عنوة بين فكيه . يعلكه حيناً و يجتره أحياناً . تضيق باطراد المساحة المخصصة للهذيان . حتى لتتطابق مع المساحة المخصصة لقدميه العاريتين المبتلتين في تلكم المغيب . معلبة هذه المدينة و مسبقة الصنع . بلاستيكية الشكل و المضمون . مشبعة هي بالأنانية و رائحة الكاري و التاندوري . مغموسة بجنسيات البنغال و البنجاب و الملبار . حتى الحشرات فرت من هذه الخلطة السريالية من نائبات الزمان . علقت ساقاه بالرمال . و اختفى الخيط اللامع الذهبي من قرص الشمس خلف الأفق . فلا هو قادر على التقدم للأمام خطوة و لا الى التراجع خطوتان . علقت ساقاه كمسمارين صدئين بين أن يكون أو لا يكون .
غداً و في الصباح سيقطع اللجام و سيبصق على وجوه اللئام . حر أنا ولدتني أمي فمن ذا اللذي يقوى على شد اللجام . سحقاً لكم قوم سوئ . من نجد الى تطوان . من عنق الزجاجة سيولد من جديد . فلا يفل الحديد إلا الحديد . بعلب السردين الفارغة سيقاتل . كل مازرعوا من أوهام في رأسه سيقاتل كل رموز الشرف الكاذب . خنجر مسموم سيغرسه في خاصرة العادات و التقاليد . و آخر يحز به رقبة شعاراتهم الطنانة من الوريد الى الوريد . ثأراً حاقداً لا يستثني منهم أحداً . بعلبة السردين المستعملة سيمزق غشاء بكارتهم . و بشظايا جماجم قبورهم الجماعية سيهدم لهم قصور الغبار فلا رحمة و لا عفو ولا مظلمة لهم ، أصحاب أكاليل العار .

في اليوم التالي . وفي أحدى زوايا المنزل جلس وحيداً القرفصاء . كأسد جريح أخذ يتحسس لجامه الجديد ، كأرنب بري بدأ بإشتمامه . وكفأر صغير مفطوم حديثاً أخذ يقرضه سقط الناب الأول. . فتابع القرض . إنحشر الناب الثاني . لا بأس قال الأسد الفأر التائه لنفسه تابع القرض . ابتسم . عله يتمكن أكثر من حشر لجامه البغيض بين الأسنان و الأضراس . عض عليه بالأنياب و النواجذ . ابتسم اكثر ليدخل اللجام في فمه أكثر . ضحك من أعماق أعماقه . بانت نواجذه الخلفية . تعالت ضحكاته . اغرورقت بالدمع عيناه . تعالت اكثر ضحكاته . بدا الضحك صخباً . تحول الصخب صراخاً . فضجيجاً . فهديراً مزمجراً . احمرت عيناه . سال المخاط من أنفه . تبللت ثياب الفأر بمياه صفراء دافئة . وبقي اللجام محشوراً بين فكه العلوي و فكه الأسفل . دليلاً واضحاً جلياً لا ريب فيه على زور وبهتان كل شهادات الطب في الوطن العربي ابتداءً بالطب النفسي و إنتهاءً بطب الأسنان .

No comments: