Thursday, November 8, 2007

قال محمود درويش

أحنُّ إلى خبزِ أمّي وقهوةِ أمّي ولمسةِ أمّي
وتكبرُ فيَّ الطفولةُ يوماً على صدرِ يومِ
وأعشقُ عمري لأنّي إذا متُّ أخجلُ من دمعِ أمّي

خذيني، إذا عدتُ يوماً وشاحاً لهُدبكْ
وغطّي عظامي بعشبٍ تعمّد من طُهرِ كعبكْ
وشدّي وثاقي.. بخصلةِ شَعر.. بخيطٍ يلوّحُ في ذيلِ ثوبكْ
عساني أصيرُ إلهاً إلهاً أصير.. إذا ما لمستُ قرارةَ قلبكْ
ضعيني، إذا ما رجعتُ وقوداً بتنّورِ ناركْ
وحبلِ الغسيلِ على سطحِ دارِكْ
لأني فقدتُ الوقوفَ بدونِ صلاةِ نهارِكْ

هرِمتُ، فرُدّي نجومَ الطفولة
حتّى أُشارِكْ صغارَ العصافيرِ دربَ الرجوع..
لعشِّ انتظاركْ

قال عنترة بن شداد

ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السـيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم
------------------------------------------
وقالت فيروز
www.youtube.com/watch?v=28S2xEunBo4

Monday, October 29, 2007




دارت فينا الدار - قصة قصيرة

في المساء وعندما تشرق الشمس في الجهة الثانية من الكرة الأرضية . أركض حافياً تحت شجرة المشمش في البيت القديم . صوت حفيف الأوراق . المعلقة على شجرتي التين و الخوخ و صفير الهواء في نهاية خريفي الثالث أو الرابع . صرير الباب الخشبي المتسارع قبل ارتطامه بالحائط المجرد من الطلاء الأبيض . صوت آلهة الحب . والدتي . تنادي . جزء من صوتها حملته رياح الخريف الى زويا و ساحات الدار و جزء أخر حملته الذاكرة ولا يزال يحوم في مخيلتي كجناحي ملاك أبيض . أغني بكلام غير مفهوم و أدور . حول شجرة التين ألف و أدور . . أتعثر . ابعثر بقايا دراجة أخي الكبير . انتظر مكرمة الهواء في اسقاط آخر حبة توت .

يكفي دوران سوف تدوخ ، يأتي صوتها الملائكي من الغرفة الدافئة الصغيرة . كعصفور مبتل منتوف الريش ادخل تحت جناحيها الهو بخيط يتدلى من طرف ثوبها. تتراقص في حدقتي السنة لهب المدفأة السوداء . تهدهد لي بأغنية الشتاء . أغفو أغمض عيني مستنداً الى جدار الجنة . أصحو بعد ثلاثين عاماً افتح عيني كمحكو عليه بالاعدام . لا دار و لا دوار ، لا تين لا خوخ لا ريح و لا من يحزن مع بقية من يحزنون . لا حجر و لا شجر ولا خريف ولا مدفأة .
منبه يكسر جدار الصوت و تلفاز و دش و كمبيوتر و موبايل . و أشياء ما أنزل الله بها من سلاطين تستصرخني للنهوض . تعبس في وجهي الكئيب تستحثني الإسراع . و تلفظني نحو الشارع المزدحم بالضوضاء و السيارات و إشارات المرور .

يومه كأمسه كغده . أي دوامة تلك التي يدور فيها . كحبة في مسبحة بيد فاسق فاجر . يعبث بها دون دعاء . لليمين حيناً و لليسار أحياناً . تدور بأصابعه بكل الاتجاهات و حسب كل الاحتمالات . مرة اخرى يبدأ هذا المنبه بالنباح معلناً بداية يوم جديد .

يكنس التائه عادةً بقايا أحلام ليله في كل صباح . ويصحو بدافع الغريزة و حب البقاء . بعد حفلة الماء و الصابون و الفرشاة و المعجون . يتدلى في بنطاله و قميصه ويمتطي بكل فخر صهوة الحذاء . معلناً عن ميلاد يومه الجديد . دقائق ويتعين عليه القاء تحية الصباح . و إبداء طقوس الطاعة و الولاء لذلك الأبله الأجوف الأحمق الأخرق التافه التالف المحسوب على معية بني آدم و حواء .

ولي النعم هو ومن غير بركته و رضاه . يصبح التائه في خبر كان . إن ابتسم تزغرد عصافير الصومال . و إن عبس زمجرت الأعاصير في جزر المالديف . شائت الأقدار و حظ التائه التعيس . و إختلاف درجات الحرارة ما بين الصومال و جزر المالديف . وامتلاك ولي النعم القفل و المفتاح والباب و الحائط والأرض المستند عليها الحائط . شائت أن يُساق التائه كسوق النعاج من مكتبه المنسي في الطابق المنسي في الزاوية المنسية في الزمن المنسي . الى قلب المعمعة وبؤرة الحدث كالذبابة تحت بقعة ضوء . على خط النار بدون خندق أو ساتر لا ترابي و لا هوائ . سكرتيره الخاص أراد وبكلمة واحدة كان كل شيئ قد حصل فالله ماشاء قدر و البدين ما شاء فعل .

في ليلة ليلاء التهم الرجل البدين عشائه و تحلى و تسلى , تدشى و اتكأ الى الوراء وفكر ثم فكر . قتل كيف فكر . أنا رجل مهم مدير أنا من الميم الى الراء ، كرش ماشاء الله كبير ، مال لا تأكله الفئران و لا تحرقه النيران ، جاه خدم حشم . (ونسي طبعاً النسوان ) و ما علاقته هو بالنسوان . يأمر فيطاع ، يضحك فيضحكون ، يعبس فيبكون . بالسبابة و الابهام فرك شنبه المتدلي كأنشوطة حذاء و قال . هو التائه ولا أحد غيره . احضروه و على بابي أجلسوه . و بوظيفة الخادم المخلص الأمين عينوه . على الكرسي خوزقوه . نشيد الأنشاشيد لسليمان الحكيم لقنوه و على مسامعي كل صباح يغنيه لي إجعلوه . صامتاً ساكناً جامداً . كتمثال صدام الهدام أنحتوه . و عطروه و مشطوه و على وجه السرعة هاتوه .

فتح باب المصعد وخرجت منه انثى مبتسمة دخل التائه المصعد حدد بوضوح طابقة الجديد . أخذ نفساً عميقاً استنشق به ما بقي من زفير تلك التي خرجت ، نظر في مرآة المصعد لا شيئ رفع حاجبيه حدق جيداً اقترب أكثر لامس أنفه المرأة يا إلهي لاشيئ . استجمعت المرآة زفيره مشكلة سطحاً يصلح للكتابة . لترك أثر . خط بإصبعه دائرة و بها ثلاث نقط . واحدة لفمه و إثنتان لعينه . أعاد حاجبيه الى ما كانا عليه و بدا وحيداً باحثاً عن نفسه بالمصعد وما من شيئ . أراد أن يسأل نفسه عن نفسه هل هو موجود . اقترب مرة أخرة من المرأة ، لامس انفه السطح الزجاجي البارد . قبل المرآة . شعر بوجوده تراجع للخلف ، الحمد لله ، تمتم و هو يخرج من المصعد . الحمد لله الحمد لله .

عشر خطوات الى الأمام خطوتان الى اليسار . وأخرى الى اليمن التقط من سلة المهملات ابتسامة أحد المراجعين الخارجين للتو ، لصقها على وجهه . دق باب الرجل السمين . فتح الباب تقيئ كلمة صباح الخير يا مولانا أطال الله في عمرك يا صاحب السعادة و الهناء . . أغلق الباب و انسحب منساباً ككائن هلامي بلا ابعاد . كوم نفسه على الكرسي الجديد وراء المكتب الجديد في الغرفة الجديدة في المنصب الجديد .

ايعقل أن أكون كالجارية في سوق نخاسة على زمن أبو نواس . اهذه نهاية تليق بتائه في رحلة توهان . لا لا بد من إعادة كتابة السيناريو حتى لو اقتضى الأمر الى قلب الطاولة على رؤوس كل الصلعان . و من ضمنهم هذا الأخرق الأبله المالك الجديد . فلنبدأ من جديد . أيعقل أن يكون ذلك . الجواب بكل بساطة . نعم يعقل أن تكون كذلك . و لم لا . بل لم ليس لا . أحال التائهة بدوره السئوال الى ظله المتراقص على صفحة الماء تحت ما تبقى من قرص الشمس الظاهر له في لحظة المغيب على كورنيش المدينة التعيسة . أجابه الظل . بحقيقة . و الحقيقة بخيال . أعاده الخيال مرة ثانية الى الظل و الخيال . عاد الى النقطة الى إبتدا منها قبل ثوان طرح مرة أخرى السئوال . كيف الخلاص . من هذا اللجام الجديد . الموضوع عنوة بين فكيه . يعلكه حيناً و يجتره أحياناً . تضيق باطراد المساحة المخصصة للهذيان . حتى لتتطابق مع المساحة المخصصة لقدميه العاريتين المبتلتين في تلكم المغيب . معلبة هذه المدينة و مسبقة الصنع . بلاستيكية الشكل و المضمون . مشبعة هي بالأنانية و رائحة الكاري و التاندوري . مغموسة بجنسيات البنغال و البنجاب و الملبار . حتى الحشرات فرت من هذه الخلطة السريالية من نائبات الزمان . علقت ساقاه بالرمال . و اختفى الخيط اللامع الذهبي من قرص الشمس خلف الأفق . فلا هو قادر على التقدم للأمام خطوة و لا الى التراجع خطوتان . علقت ساقاه كمسمارين صدئين بين أن يكون أو لا يكون .
غداً و في الصباح سيقطع اللجام و سيبصق على وجوه اللئام . حر أنا ولدتني أمي فمن ذا اللذي يقوى على شد اللجام . سحقاً لكم قوم سوئ . من نجد الى تطوان . من عنق الزجاجة سيولد من جديد . فلا يفل الحديد إلا الحديد . بعلب السردين الفارغة سيقاتل . كل مازرعوا من أوهام في رأسه سيقاتل كل رموز الشرف الكاذب . خنجر مسموم سيغرسه في خاصرة العادات و التقاليد . و آخر يحز به رقبة شعاراتهم الطنانة من الوريد الى الوريد . ثأراً حاقداً لا يستثني منهم أحداً . بعلبة السردين المستعملة سيمزق غشاء بكارتهم . و بشظايا جماجم قبورهم الجماعية سيهدم لهم قصور الغبار فلا رحمة و لا عفو ولا مظلمة لهم ، أصحاب أكاليل العار .

في اليوم التالي . وفي أحدى زوايا المنزل جلس وحيداً القرفصاء . كأسد جريح أخذ يتحسس لجامه الجديد ، كأرنب بري بدأ بإشتمامه . وكفأر صغير مفطوم حديثاً أخذ يقرضه سقط الناب الأول. . فتابع القرض . إنحشر الناب الثاني . لا بأس قال الأسد الفأر التائه لنفسه تابع القرض . ابتسم . عله يتمكن أكثر من حشر لجامه البغيض بين الأسنان و الأضراس . عض عليه بالأنياب و النواجذ . ابتسم اكثر ليدخل اللجام في فمه أكثر . ضحك من أعماق أعماقه . بانت نواجذه الخلفية . تعالت ضحكاته . اغرورقت بالدمع عيناه . تعالت اكثر ضحكاته . بدا الضحك صخباً . تحول الصخب صراخاً . فضجيجاً . فهديراً مزمجراً . احمرت عيناه . سال المخاط من أنفه . تبللت ثياب الفأر بمياه صفراء دافئة . وبقي اللجام محشوراً بين فكه العلوي و فكه الأسفل . دليلاً واضحاً جلياً لا ريب فيه على زور وبهتان كل شهادات الطب في الوطن العربي ابتداءً بالطب النفسي و إنتهاءً بطب الأسنان .

Thursday, October 25, 2007

قصيدة رباعيات الخيام - خلاصة الخلاصة

قصيدة رباعيات الخيام

سمعتُ صوتاً هاتفاً في السحر نادى من الغيب غفاة البشر
هبوا املأوا كأس المنى قبل أن تملأ كأسَ العمر كفُ الَقَدر

لا تشغل البال بماضي الزمان ولا بآتي العيش قبل الأوان
واغنم من الحاضر لذاته فليس في طبع الليالي الأمان

غَدٌ بِظَهْرِ الغيب واليومُ لي وكمْ يَخيبُ الظَنُ في المُقْبِلِ
ولَسْتُ بالغافل حتى أرى جَمال دُنيايَ ولا أجتلي

القلبُ قد أضْناه عِشْق الجَمال والصَدرُ قد ضاقَ بما لا يُقال
يا ربِ هل يُرْضيكَ هذا الظَمأوالماءُ يَنْسابُ أمامي الزُلال

أولى بهذا القلبِ أن يَخْفِقا وفي ضِرامِ الحُبِّ أنْ يُحرَقا
ما أضْيَعَ اليومَ الذي مَرَّ بي من غير أن أهْوى وأن أعْشَقا

أفِقْ خَفيفَ الظِلِ هذا السَحَرنادى دَعِ النومَ وناغِ الوَتَر
فما أطالَ النومُ عُمرأولا قَصَرَ في الأعمارَ طولُ السَهَر

فكم تَوالى الليل بعد النهار وطال بالأنجم هذا المدار
فامْشِ الهُوَيْنا إنَّ هذا الثَرى من أعْيُنٍ ساحِرَةِ الاِحْوِرار

لا توحِشِ النَفْسَ بخوف الظُنون واغْنَمْ من الحاضر أمْنَ اليقين
فقد تَساوى في الثَرى راحلٌ غداًوماضٍ من أُلوفِ السِنين

أطفئ لَظى القلبِ بشَهْدِ الرِضاب فإنما الأيام مِثل السَحاب
وعَيْشُنا طَيفُ خيالٍ فَنَلْ حَظَكَ منه قبل فَوتِ الشباب

لبست ثوب العيش لم اُسْتَشَرْوحِرتُ فيه بين شتى الفِكر
وسوف انضو الثوب عني ولم أُدْرِكْ لماذا جِئْتُ أين المفر

يا من يِحارُ الفَهمُ في قُدرَتِك وتطلبُ النفسُ حِمى طاعتك
أسْكَرَني الإثم ولكنني صَحَوْتُ بالآمال في رَحمَتِك

إن لم أَكُنْ أَخلصتُ في طاعتِك فإنني أطمَعُ في رَحْمَتِك
وإنما يَشْفعُ لي أنني قد عِشْتُ لا أُشرِكُ في وَحْدَتِك

تُخفي عن الناس سنا طَلعتِك وكل ما في الكونِ من صَنْعَتِك
فأنت مَجْلاهُ وأنت الذي ترى بَديعَ الصُنْعِ في آيَتِك

إن تُفْصَلُ القَطرةُ من بَحْرِها ففي مَداهُ مُنْتَهى أَمرِها
تَقارَبَتْ يا رَبُ ما بيننا مَسافةُ البُعْدِ على قَدرِها

يا عالمَ الأسرار عِلمَ اليَقين وكاشِفَ الضُرِّ عن البائسين
يا قابل الأعذار عُدْنا إلى ظِلِّكَ فاقْبَلْ تَوبَةَ التائبين